– سرطان في العائلة: الخوف من ألاعيب الوراثة

عزيزة سليمان _ منشور الخميس 15 أكتوبر ٢٠٢٠

سمعتهم يتهامسون عن آخر ضحايا العائلة: إنها عمتي الأصغر سنًا التي اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في الأربعينات من عمرها. لا أتذكر عمري وقتها، لكني أتذكر هذا الصيف الذي ذهبوا فيه لزيارتها في المستشفى وتركوني أنا وإخوتي في البيت مع أطفالها. أعتقد ولست متأكدة أنها كانت الواقعة التي أدركت بسببها أني لا يجب أن أعلم شيئًا عن مرضٍ قد يكون هو مصيري.لم يتحدث أهلي معي عن السرطان الذي يربط العائلة ببعضها، لكننا أصبحنا في سن أكبر نتحدث عن الأمر باعتباره الواقع الذي من البديهي أن نعرفه جميعًا. لا أتذكر متى جاءت هذه القناعة، لكن الحال لم يكن دومًا هكذا.كنت أظن لفترة طويلة أن عمتي الأصغر هي الوحيدة التي أصيبت بسرطان الثدي لكني قررت خلال كتابتي هذا النص أن أسأل أمي لأول مرة. ترددت بسبب قلقها من هذا الموضوع الذي يمنعها من الكلام بأريحية. لكنها أجابتني أخيرًا وقالت إن لي عمة أخرى أصيبت بسرطان الثدي، وإن الثالثة أصيبت بسرطان الرحم. كانت هذه واحدة من محاولات خافتة للحديث المقتضب عن الموضوع مع أمي. عشت عمري مع افتراضات عن المرض العائلي ولم أجرؤ على التحقق منها قبل هذا اليوم.

فقط نحن نعلم أن بالعائلة سرطان

.مرضت جدتي من أبي بعدما عاشت حياة فقيرة: أصيبت بسرطان المبيضين. حكت أمي لي بشكل عابر في إحدى المرات كيف أن « حماتها » فقدت معظم وزنها في آواخر عمرها وأنهم اكتشفوا أنه بسبب السرطان في وقت متأخر للغاية، عندها قرر الطبيب أن يصف لها مسكنات تعينها على آلام ما قبل الموت المحتّم.صرت أعرف الآن أيضًا أن 4 من بنات أخيها، أي بنات خال أبي، أصبن بسرطان الثدي. قد يكون السرطان موروثًا من الجدة الأكبر أي جدة أبي، لكني لا أعلم ذلك على وجه اليقين.في منتصف عشريناتي شجعتني أمي أن أذهب لطبيب في معهد ناصر لأفحص نفسي. كان مهذبًا وطمأنني أني مازلت صغيرة وأنه لا شيء يدعو للقلق. لكني كنت مذعورة لدرجة أنه لم يتمكن من إتمام الفحص لأني كنت أرتجف. قد يكون تصوّر وقتها أني خائفة من الانكشاف عليه كفتاة صغيرة.الآن أعتقد أني وقتها كنت أخاف من اكتشاف أني مريضة بشرطان الثدي، طبعًا بجانب الخوف من اللمس والحديث مع طبيب أو طبيبة نساء كفتاة غير متزوجة. كنت أخاف من الأحكام ومن الكلام عن علاقتي بجسدي. مازلت أشعر برهبة في التعامل مع أي طبيب أو طبيبة نساء في مصر، رهبة مرتبطة بكوني الآن إمرأة ثلاثينية غير متزوجة لا أخضع تمامًا لتقاليد المجتمع والمسار المرسوم للمرأة التي تتزوج وتنجب وبالتالي يكون مُرحبًا بها داخل « المنظومة ».لي تجارب أخرى تعرضت من خلالها لعنف نفسي من مقدمي « الخدمة الطبية للنساء » رجالًا وسيدات. أصبحت أتجنبهم رغم حاجتي للمتابعة الدورية. نعم أعرف أن هذه مساحة تحمل تناقضات مردّها عنف المجتمع الذي يجعل قلقي من الذهاب إلى مقدم خدمة طبية للنساء قلق مركب: جسمي الذي أخافه وليس ملكي لكنه ملك للمجتمع، وحاجتي لتسكين الخوف من السرطان. لا أضطر فقط لمراعاة الجينات في حياتي لكن أيضًا أتحسب علاقتي بمنظومة أعرف أنها ليست آمنة.ولا تزال رحلة البحث عن « طبيبة آمنة » مستمرة.

شبح المصير

عندما اقترب عيد ميلادي الثلاثين بدأت أدرك أني أفكر في الأمر كثيرًا وأن الخوف يتمكّن مني في أوقاتٍ عديدة، لكني لست متأكدة الآن أن ذلك لم يكن دومًا صحيحًا. كنت أعتقد في بعض سنوات العشرينات أني لا أكترث وأتعامل على أنه ليس هناك ما يُقلق، فأنا أصغر من أن أصاب بسرطان الثدي. لكني أعتقد الآن أني طالما كنت أخاف من لحظة إكتشاف الإصابة، فقط لم أكن مستعدة لمواجهة الأسئلة.عندما بدأت عقدي الرابع شعرت أني لا أملك رفاهية الاستعداد الطويل، وأنه يجب علي بدء رحلة الكشف والمتابعة. لكنه شعور يحكمه الخوف، ليس فقط رهبة من السرطان، لكن أيضًا من كابوس أن أصبح مريضة سرطان في مصر.في الأسابيع اللاحقة لعيد ميلادي؛ بدأت ألاحظ أني أفتح موضوع إمكانية إصابتي بالسرطان في محادثات كثيرة أغلبها لا يتحمل هذا الثقل أو لا يتعلق به. لكنها الفكرة التي سيطرت عليّ. أصبحت أشعر أنه يجب أن أجد عملًا يمنحني تأمينًا صحيًا جيدًا وبشكل ملحّ، لأني لا أرغب في اكتشاف مرضي وليس لدي مكان للعلاج، أو أن أجد هذا المكان لكن لا أتمكن من تغطية التكاليف التي تقدر بمئات الآلاف.أنا لا أنتمي لأية نقابة مهنيّة على عكس عمتي التي أصيبت بسرطان الرحم وتحملت نقابتها تكاليف علاجها، وكذلك عماتي اللاتي أصبن بسرطان الثدي وقت عملهن كموظفات في الحكومة التي تحمّل تأمينها الصحي تكاليف العلاج، رغم ضعف إمكانات الخدمة التأمينية الحكومية. أما أنا، فلا أملك عضوية في نقابة أو تأمين صحي حكومي ضعيف كي ينفق على علاجي. وبسبب انهيار منظومة الدعم الاجتماعي وتدهور الخدمات الصحية العامة؛ أصبحت النقابات والجمعيات الأهلية رفاهية للأعضاء. هذه رفاهية لا أملكها. قد يكون هناك طرق ما لأمثالي مثل مبادرات المستشفيات التي تتيح العلاج بالمجان أو بأسعار مقبولة، لكني لم أتحقق. فقط أفكر في الموضوع بضغط الخوف، ولا آخذ خطوات لأعرف إمكانية ذلك من عدمه.

هل تلاحظين أيتها القارئة كيف تحولت الحكاية إلى كيفية التعامل والتأقلم عندما أكتشف إصابتي بالسرطان مستقبلًا؟

رغم أن الأمر ليس حتميًا، لكن القلق والخوف هو الحاكم. أتساءل الآن إن كانت رهبتي سببها تلك الحالة التي كبرت عليها وكان يمكن تجنبها إذا تحدث أهلي معي وشرحوا لي ماذا يحدث في العائلة؟ وما تعنيه هذه الإصابات المتوالية؟ وكيف أتعامل مع الأمر بدلًا من بذل هذا المجهود المضني للتعتيم على الحقيقة، وهو الأمر الذي لم ينجح، وفي النهاية عرفت سرّ العائلة. هذا وضع مرعب في كل الأحوال.

بنسبة 70%

يجب أن تكون هناك نقطة بداية ما. بداية للتحقق من الاختيارات المتاحة لي في مصر، اختيارات الكشف الدوري والعلاج إن اكتشفت المرض. فقررت أن أبدأ بالقراءة عن الأمر.وجدت أن الجين المشترك بين سرطان المبيضين الذي أصاب جدتي وسرطان الثدي الذي أصاب اثنتين من عماتي يدعى BCRA ولكنه ينقسم لنوعين BCRA1 و BCRA2. يمكن أن أورّث أيًا من تلك الجينات عبر أبي، وإن كنت ورثت هذا الجين ستكون فرصة إصابتي بسرطان الثدي حوالي 70%. طبعًا أنا لا أعرف إن كنت ورثت تلك الجينات أم لا.وجود تلك الجينات يزيد كذلك من فرص الإصابة بسرطان المبيضين أو أنواع أخرى من السرطان. توجد بالفعل تحاليل للكشف عن وجود جينات السرطان في الجسم لكن النتيجة تعالج القلق فقط إن جاءت سلبية، بمعنى أني أفلتّ من وراثة هذا الجين، لكن إن كنت حاملة للجين؛ فسوف أعيش حياتي كلها في ترقب لظهور السرطان في جسدي.ما آمله الآن هو أن أجد في روتين الفحص الدوري الذي أقوم به؛ قدرًا ما من التحكم يسكّن آلام الخوف الذي تربيت عليه. وقد يكسر البحث والفحص إحساس العجز من مصير أكون فيه مفعولًا به. نعم، لا يمكن الهرب من الجينات أو التحكم بها، لكن قد يكون بمقدوري التحايل على القلق أو علاجه.لم أكتف بالبحث، لكني قررت أن تكون كتابة هذا النص بداية التحايل على القلق ومواجهته: أرسلته لأمي، فوجدتها تشجعني على نشره وقالت إنها لم تحاول إخفاء المرض عني وإنما أخفت خوفها من المرض نفسه، وكأن تجنب الحديث عنه هو العلاج.عمومًا فلتكن إذًا هذه رحلة مشتركة نتخطاها بدعم متبادل.

المقال منشور فى موقع المنصة

https://manassa.news/stories/4671

رحلة حامد ومنحته: سرطان الثدى يصيب الرجال ايضا

منشور فى المنصة https://manassa.news/stories/4696

مجرد كيس دهني وهيروح بالمضاد الحيوي » كانت هذه فكرة محمود حامد اﻷولى عندما شعر بشيء ما بارز تحت الجلد في منطقة الثدي، فآخر ما كان في باله هو أن يصاب بسرطان الثدي. السطور التالية تنقل بإيجاز الرحلة الطويلة التي عاشها حامد، ولخصها للمنصَّة في مقابلة تخطت الساعة والنصف، روى خلالها ما تعرض له من هزائم وانكسارات بحسب وصفه، ونجاحات أيضًا عقب اكتشافه الإصابة بالمرض الخبيث.يبلغ حامد 42 سنة، أب لثلاثة أطفال، يعمل ضمن طاقم عمال الحفر بإحدى شركات البترول بالصحراء الغربية، منذ 3 أعوام شعر بوجود « كلكعة » بالجانب الأيسر من صدره، فتعامل معه على أنه كيس دهني سيزول باستخدام المضادات الحيوية التي استعان بها من الصيدلية، أو ربما لا يحتاج إلا لقسط من الراحة، بسبب طبيعة عمله، والتي تحتاج لمجهود كبير، ولكن بعد مرور أكثر من شهرين لم يتغير الأمر، فعرضت عليه زوجته زيارة الطبيب للاطمئنان لكنه كان يرى أن الأمر « تحت السيطرة »، بحسب وصفه.ألحت زوجة حامد عليه ﻷسبوعين أن يزور الطبيب، وبالفعل رضخ لطلبها وعرض نفسه على إخصائي أمراض جلدية، الذي طلب منه الذهاب لطبيب أورام، لأن ما يعاني منه ليس كيسًا دهنيًا كما كان يعتقد. وهنا تغيرت نبرة صوته وهو يروى تلك الفترة من تجربته، وزاغ ببصره بعيدًا، وأكمل « وقتها بدأت أصعب فترة في حياتي، اللي بدأت بزيارة الدكتور وطلبه للأشعة وتحليل عينة أكدت إن الكلكعة دي ورم خبيث، ومحتاج عملية، وكنت لأول مرة أعرف إن ممكن سرطان الثدي يجي للرجالة ».

ويعتبر سرطان الثدي بين الرجال أمرًا نادر الحدوث، وتشكل حالات الإصابة بهذا المرض لدى الرجال ما بين 0.5% و 1.0% من مجمل حالات سرطان الثدي في المملكة المتحدة، حيث تشخَّص 390 حالة إصابة بين الرجال سنويًا مقارنة بـ 54 ألف 800 حالة من النساء، بحسب مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة. وتنمو الخلايا السرطانية لدى الرجال في المساحة الضئيلة من نسيج الثدي الكامنة خلف الحلمة، وعادة ما يقع ذلك للرجال فوق الستين.

بعد فترة صمت استمرت لدقائق، عاد حامد ليروي مجددًا أنه لم يصدق الأمر في بدايته، فأجرى فحص العينة مرة أخرى، وجأت النتيحة ذاتها، أنه يعاني من ورم يحتاج لتدخل جراحي، وأكد له الطبيب أن سرطان الثدي يصيب الرجال أيضًًا ولكن بنسبة أقل من النساء، وطلب منه إجراء جراحة عاجلة حتى لا يتفاقم الأمر أو ينتشر الورم في باقي أنحاء الجسد.

طلعت بداية القصة »رفض للواقع، وغضب وأسئلة كثيرة دون إجابة »، ملخص ما عاشه حامد ليومين متتاليين، بجواره زوجته وطفليه، ينظر إليهم بخوف وحزن، خشية الجراحة واحتمالية فشلها، وكمد من إصابته بالمرض « الوحش »، لكن عبارات زوجته التي ظلت تطمئنه أن الأمر سيمر، وسيعود لها ولطفليه عقب إجراء الجراحة جعلته يسرع بتحديد موعد لإجرائها « مراتي شجعتني وقالت لي إن دي مش نهاية العالم وناس كتير جالهم المرض وخفوا، ويمكن ربنا شال عننا وعن العيال حاجة أوحش، وده شجعني إني أحدد ميعاد للعملية ».

بابتسامة ساخرة تابع « كنت فاكر إن العملية نهاية القصة، بس طلعت بدايتها »، ظن حامد أنه بإجراءه الجراحة وإزالة الغدد الليمفاوية سينتهي الأمر، لكن بعد خروجه من غرفة العمليات أخبره الطبيب أنه سيبدأ رحلة من العلاج ربما تستمر معه عامًا كاملًا، يتعرض خلالها لست جلسات كيماوي، و15 جلسة علاج إشعاعي، وربما يحتاج لإجازة من عمله لأنه لن يستطيع بذل المجهود مثلما كان في السابق، وعليه أن يحذر من التعرض لحرارة أو لهب أو صدمات بذراعه الأيسر القريب من مكان الجراحة.

انعزل حامد عن زوجته وطفليه في حجرته، رفض الجلوس معهم أو مع أحد من أفراد أسرته، وطلب إجازة مؤقته من عمله، ليستعد لجلسات العلاج « خدت أول 3 جلسات، ومن أول جلسة شعري وقع، والتلاتة دول اسمهم العلاج الأبيض اللي ألمهم بيكون أخف من التلاتة اللي بعدهم وبيسموهم العلاج الأحمر، ومعاهم وقعت حواجبي، وبدأت أحس إن أنا خلاص انتهيت، مش هعرف ألعب مع ولادي ولا هعرف أشتغل تاني ولا أمارس حياتي بشكل طبيعي، وبقيت أسأل ربنا ليه أنا يحصل لي كده واشمعني اختارني أنا للابتلاء ده ».

فترة صمت جديدة تخللت حديث حامد، وهو يستكمل تلك الفترة التي عاش بها انكسارات عدة وهو يمرر يده بين خصلات شعره الذي عاد للنمو مجددًا، وهو يروي محنة بدأت من سقوط شعره وحواجبه، وإحساسه بعدم قدرته على العمل مصدر دخله الوحيد، لكنه قرر بعد الجلسة الثالثة قطع الإجازة والعودة للعمل « مكنش قدامي حل غير إني أرجع الشغل وألبس كاب أداري بيه شعري اللي بيقع، علشان البيت يفضل مفتوح، وفكرت إنه لو كانت دي نهايتي يبقى أموت وأنا بشتغل وفاتح البيت »،

وبالفعل عاد لعمله مع مراعاة عدم بل مجهود بذراعه الأيسر، وتفادي الخبطات والحوادث وفقًا لتعليمات طبيبه الخاص.

الحديث عن الزوجة والأولاد احتل مساحة كبيرة من حديث حامد، الذي اتكأ للوراء في محاولة للبحث عن الراحة وهو يروي دور زوجته في الرحلة « مراتي قامت بدور كبير قوي، استحملت عصبية وزعل وتعب وبعد عنها، وفترات مكنتش بتكلم معاها فيها وبفكر إنه ممكن أسيبها علشان مبقاش عبء عليها، بس هي كانت بتستحمل كل ده وعارفه إنه غصب عني، كانت كمان بتسأل دكاترة من ورايا وتدور على الدكاترة الكويسين اللي ممكن نروحهم ونستشيرهم، وتدور على النت عن معلومات ونصايح وتجارب كمان لناس مروا بالأزمة دي ».

طفلا حامد كانا يبلغان من العمر 7 و10 سنوات بالمرحلة الابتدائية، قبل حلول مولودته الأخيرة، فمنذ فترة وقبل معرفته بإصابته خطَّط هو وزوجته لحَمل جديد، « قبل معرف إصابتي بالسرطان خططنا نخلف مرة كمان، بس فضلنا يمكن أكتر من 8 شهور من غير حمل، ومع معرفتي بالإصابة تخيلت إن الموضوع ده خلاص مش هيحصل وإن بقى موضوع صعب وخلاص ربنا رزقني بولدين وكفاية على كده ».منحة من ربنا

معاملة خاصة تلقاها حامد بعد عودته للعمل، لكنه شعر أن تلك المعاملة تصيبه بمزيد من الإحباط، فقرر في اليوم الثالث خلع « الكاب »، ومواجة الواقع، وطلب من زملائه ورؤسائه في العمل عدم تميزه في المعاملة، وتقييم عمله كما كان يتم في الماضي « شغلنا بيكون 3 أسابيع في الصحراء الغربية وأسبوع بنرجع القاهرة، فتقريبًا بنقضي وقت مع زمايلنا في الشغل أكتر من البيت، وبعد رجوعي الشغل سمعت قصص كتير من زمايلي عن ابتلاءات كتير لناس قريبة مننا زي فقد حبيب أو ابن أو حوادث بتسبب عجز دائم، حسيت إني في ابتلاء أقل منهم، وإن الحمد لله إن أنا اللي تعبت مش مراتي ولا حد من العيال، وقتها بدأت أحس إن يمكن دي تكون منحة من ربنا، ولازم أبص للجانب الإيجابي منها ». »المنحة » التي كان يبحث عنها حامد، وجدها مع أول إجازة من عمله واستعداده للجلسة الرابعة من جلسات الكيماوي، فأخبرته زوجته بحملها في طفلتهما الثالثة، التي وصفها بأنها « وش السعد » عليه، فبعد مولدها ترقى في عمله، وزاد راتبه أيضًا.

حملت زوجة حامد وهو يتلقى جلسات العلاج، فكان عليها دورًا كبيرًا في رعايته ورعاية الأطفال مع متاعب الحمل، وخاصة في الشهور الأولى، بالإضافة لعبء طفليها الذي تضاعف بعد فقد اﻷب قدرته على المشاركة في المسؤولية الكاملة « ولادي كانوا أطفال صغيرين صعب إننا نفهمهم الوضع وكمان حسوا بحاجة غريبة أنا مبقتش ألعب معاهم زي الأول، ودايمًا قاعد لوحدي طول منا في البيت، وهنا مراتي كانت بتحاول تقضي معاهم طول الوقت وتقول لهم إن أنا تعبان شوية بس بعد كده هرجع وألعب معاهم تاني، وبقت هي المسؤول الأول والأخيرة عن المدرسة والمذاكرة لأني من كتر التعب مكنتش بقدر أعمل أكتر من الجلسات والشغل، مش قادر أذاكر مع الولاد ولا ألعب معاهم ولا حتى أخرجهم، وهنا هي كانت أم وأب وكانت دايما بتقولي إنها هتقوم بالدورين لحد الأزمة دي ما تخلص ونرجع لأدوارنا الطبيعية تاني ».بعد عام من العلاج أنهى حامد جلسات الكيماوي والإشعاعي، وحلَّت مولودته الجديدة، وأجرى مسحًا ذريًا للتأكد من تمام شفائه، وطلب منه طبيبه الخاص متابعة دورية، مع نظام جديد من الطعام يعتمد على الفواكه والحضروات لمزيد من المناعة، تتابعه معه زوجته، فتمنعه من تناول الحلويات والأطعمة المقلية أو الوجبات الجاهزة، وفقًا لتعليمات الطبيب.

حياة جديدة

« إن حد يطلب مني أكل معين ده كان صعب عليا، وأنا حد بيحب اللخبطة في الأكل والحلويات، وبجانب ده الدكتور طلب مني أبطل تدخين بعد ما كنت بخلص علبة في اليوم، كل دي حاجات كانت صعبة أوي، بس متجيش حاجة جنب جلسات الكيماوي اللي بتدغدع عضم الفيل، وقتها كنت حاسس إن دي نهاية الحياة، بس الحقيقة إن دلوقتي أنا حاسس إن دي بداية لحياة جديدة، بقيت قيها أخف في الوزن والحركة مع نظام الأكل الجديد، وبتنفس كويس ومش بكح بعد ما وقفت تدخين، وعارف ألعب مع ولادي وأجري معاهم، وبنتي الصغيرة بقت كل حياتي ووش الخير عليا »،

يحكي حامد عن التغييرات اﻹيجابية التي خرج بها من رحلته. ابتسامة حقيقية ملأت وجهه لتخفي دموع ظهرت مع تذكره جلسات العلاج، وهو يصف طبيبه الخاص وقت إبلاغه نتيجة المسح الذري، مع تعليمات جديدة في الطعام والشراب عليه اتباعها، وكشف دوري، وإقلاع عن التدخين، وصفها بأنها وصفة جديدة للحياة التي بدأ ينظر إليها بعين جديدة بعد التجربة التي بدأت في 2017، لتلمع الدموع مجددًا في عينيه وهو يقول « ربنا ما يكتب على حد وجع جلسات الكيماوي اللي مهما وصفت فيها محدش ممكن يتخيل وجعها، والألم اللي بيكون في كل حتة في الجسم بعدها ».الحياة الجديدة التي تخلص فيها حامد من ضيف ثقيل بحسب وصفه لسرطان الثدي، يستقبل خلالها اليوم ضيفًا أقل وطأة، بعد اكتشاف إصابته بمرض السكري من الدرجة الأولى « في شهر 6 اللي فات ومع بداية الكورونا دُخت ووقعت ووقتها كنت في القاهرة، كلمت الدكتور بتاعي طلب مني مروحش أي مستشفى علشان مناعتي والكورونا، وقالي أعمل تحليل في البيت، ووقتها اكتشفنا إن عندي السكر، الحمد لله إنه من الدرجة الأولى، بس أي مرض مع شخص معندوش مناعة زينا لازم يتاخد بجد مش هزار، والحقيقة إن التجربة اللي فاتت رغم قسوتها، علمتني إن كل حاجة لازم آخدها جد أوي وأعمل اللي عليا فيها ».